ق المدينة، وكان أول من استخدم مادة الإسمنت في البناء داخل مدينة دمشق بعد ما أجرى عليها عدة اختبارات لمعرفة مدى تحملها للظروف الجوية في الصيف والشتاء، وصار الناس يلقبونه )امبراطور الشيمنتو(.
عَمِل في السياسة زمن الأتراك مع خُلص أصدقائه وهم السادة : محمد فوزي باشا العظم، والشيخ تاج الحسني، وعبدالقادر الخطيب، ومسلّم الحصني، واحمد القضماني، ومحمد المجتهد، وإلياس عويشق، وجميل الإلشي، ورضا الركابي، وغيرهم. فكانوا يؤلفون مجموعة متراصة يتزعمها السادة محمد العظم، وعبد القادر الخطيب، ويحيى الصواف، وكانت أشبه ما تكون بالكتلة السياسية يدافعون عن مصالح البلاد المحلية دون أن يمسوا بسياسة الدولة العثمانية، بل كانوا يساندون العثمانيين ضد الحلفاء الفرنسيين والإنكليز الذين يسعون لفصل البلاد وتفريقها، وكانوا يجتمعون يومياً، ويتدارسون أخبار البلاد.
كان عضواً في حزب تركيا الفتاة، وعندما أراد جمال باشا السفاح مصادرة الميرة من أراضي دمشق، ومخازنها، وتحويلها إلى الجيش في الحرب العالمية الأولى، وقف السيد يحيى في وجهه وأراد منعه، وقال له : إن الحبوب الموجودة في دمشق لاتسّد حاجة دمشق إلابشق الانفس، وخاصة بعد مصادرة حبوب حوران، وقد هم جمال باشا بسجنه أو نفيه لولا أن هيأ الله له أحد محبي السيد يحيى من حاشية جمال باشا، وأقنع جمال باشا بأن المصادمة مع السيد يحيى عضو حزب تركيا الفتاة، وصاحب الشعبية الكبيرة في صفوف الوطنيين يسبب مشاكل كبيرة للدولة العثمانية، فتركه.
وحين سافر الملك فيصل إلى فرنسا مع عدد من الوطنيين منهم جميل الإلشي للتفاوض حول مستقبل المنطقة جاءت برقية مكتوبة بالشيفرة من جميل الإلشي إلى يحيى الصواف، أعلمه فيها عن النتائج غير المرضية التي تمخضت عنها تلك المفاوضات.
ويُروى أن رئيس بلدية دمشق اراد ان يفتح شارعاً في إحدى مناطق دمشق، وكان السيد يحيى وقتها عضواً في المجلس البلدي، وكان هذا الشارع يُسبب الضرر لكثير من أبناء المنطقة، ويمكن فتحه في مكان آخر لايسبب مثل هذا الضرر، وجاء سكان المنطقة يشكون ذلك للسيد يحيى، وكان الأخير يعلم إن رئيس البلدية لن يرضى بتعديل هذا الشارع إلابالخدعة، فقال لأحد المتضررين إذا اجتمع مجلس البلدية غداً تعال وأدخل علينا المجلس واهمس في اذني، ولما فعل ذلك تعجب رئيس البلدية واعضاؤها من مثل هذا التصرف، وأصرّ أن يعرف ماذا يريد ذلك الرجل من يحيى الصواف، فقال له يحيى : إنه مواطن من الحي الذي تُريدُ البلدية فتح شارع فيه، وهو سوف يستفيد من ذلك الشارع كثيراً ولذلك يريد التعجيل في شق الشارع، وتثبيته، فغضب رئيس البلدية، وقرر تعديل مخطط فتح هذا الشارع.
ولما أرادت فرنسا جرّ مياه عين الفيجة الى مدينة دمشق كان السيد يحيى رئيساً للبلدية، وأدرك خطورة وجود مثل هذا المشروع الحيوي بأيدي المستعمرين، ووقوع الشعب تحت رحمتهم، فرفض توقيع قرار تفويض الشركة الفرنسية بهذا المشروع، فاستدعاه المندوب السامي المقيم في قصر العظم، ولما دخل عليه أسرع المندوب السامي الى مُهاجمته – والسيد يحيى ما زال واقفاً – وقال له : لماذا تقف دائماً في وجه مصالحنا الحيوية في دمشق ؟.
فأجابه السيد يحيى : إنكم في الحقيقة لاتميزون بين من يريد مصلحتكم ممن يريد عكس ذلك، والحقيقة أني لاأريد سوى مصلحتكم.
فاستغرب المندوب الفرنسي من ذلك، وطلب من السيد يحيى الجلوس، واستوضح عن ذلك.
فقال له السيد يحيى : إن هذا المشروع سوف تُنفق أموالاً طائلة في سبيله، ولن تحصّل على شئ من الأرباح، لأن الناس لن يتعاملوا معها، وسوف يقاطعونها كما يقاطعون شركة الترامواي الآن.
فقال له المندوب : ولكننا سوف نقطع الأنهار عن البيوت وسوف يضطر الناس للتعامل مع الشركة.
فقال له السيد يحيى : إن فرنسا اذا استطاعت قطع مياه الأنهار فإنها لن تستطيع قطع المياه الجوفية الموجودة في البيوت، فإن في كل بيت من بيوت دمشق بئر ماءٍ كباس، وأنا الآن مستعد لزيارة أي بيت تشاء من المدينة بصحبتك لترى ذلك، فإن تحت مدينة دمشق مخزون مائي كبير حتى إنني أستطيع أن اخرج لك الماء من تحت كرسيك هذا الذي تجلس عليه.
وبالفعل خرج السيد يحيى مع المندوب السامي، ومعه ولده الدكتور وحيد والسيد حسن الخياط الموظف في بلدية دمشق، وذهبوا إلى أحد بيوت حي الحمراوي قرب قصر العظم وشاهد المندوب البئر وشرب منه، وعَدَل عن فكرة جر مياه عين الفيجة حتى نُفّذ المشروع بأيد ورؤوس أموال وطنية، وكان السيد يحيى من جملة المؤسسين له. وقد سجّل الاستاذ فارس الخوري هذا الموقف الجرئ للسيد يحيى في كلمته في تدشين المشروع في الثالث من آذار 1932 م، وكان مما قاله في تلك الكلمة : (لاتحسبوا أيها السادة أن أنظار المحتكرين غفلت عن هذا المشروع، فهم تطلعوا إليه وطمعوا به منذ عام 1921، حين تقدّمت لأخذ الامتياز به شركة اجنبية تهيأت لها اسباب النجاح بما لقيته من مؤازرة أولي الأمر في ذلك الحين. وبما إن الإنصاف يدعوني لذكر هذه الحقيقة أقول لكم : إنه لولا الموقف الحازم الذي وقفه رئيس البلدية السيد يحيى أفندي الصواف ورفاقه أعضاء المجلس لكانت وقعت الواقعة، بيد أنّ الرئيس في ذلك الحين السيد يحيى الصواف لم يَلِن عوده للإلحاح الشديد عليه بسرعة التوقيع )…..
وحين أراد الجنرال غاملان الفرنسي قطع أشجار الغوطة بعمق 100 م حول المدينة وشق الطرق استطاع السيد يحيى إقناعه بان 50 متر تكفي لذلك، ونشرت مجلة المضحك المبكي كريكتور للجنرال الفرنسي مع السيد يحيى في عربتهما وهما يجولان حول المدينة، وكان شارع بغداد احد هذه الشوارع التي نفذت بعد هذا الشق.
وعندما قصفت فرنسا مدينة دمشق عام 1926م لم يستطع أحد من أعضاء الحكومة وقف القصف إلا السيد يحيى فقد ذهب وتفاوض مع المندوب السامي، وقال له المندوب : إن فرنسا لن توقف القصف ألا بعد تقديم مائة ألف ليرة ذهبية لها، ولما تعذر جمع المبلغ فاوض المندوب على وضع صكوك أملاك البلدية رهناً لدى فرنسا ريثما تُجمع الأموال من الناس، وكان السيد يحيى لما تولى رئاسة البلدية قد اعدّ صكوك تمليك باسم بلدية دمشق لكافة المرافق العامة، مثل بيت الحارس، والمطاهر العامة، وما أشبه ذلك، فأوهم المندوب السامي أن هذه عقود تمليك الابنية العائدة للبلدية.
وحدث أن وشى بعض الحاقدين عليه إلى الثوار بأنه عميل لفرنسا، وان بيته مليئ بالأموال التي يقبضها من جراء تعاونه مع فرنسا، فهاجم الثوار داره، ولما لم يجدوا شيئاً من المال في صندوقه، سرقوا مجموعة محارم جيبيه من انتاج شركة (صواف إخوان) وعباءة، ورداء -ساكو – ثم مالبثوا أن ندموا وأرسلوا له ثمن ما سرقوه منه ستة مجيديات، ولكنه رفض قبضها وتبرع بها لأسر الثوار، وأرسلوا له بظرف فيه أسماء الذين وشوا به إلى الثوار فلما استلمه قام بحرقه من دون أن يقرأه أو يفتحه.
كان رحمه الله شديد الذكاء، كثير الأدب، عطوفاً على الفقراء والأيتام، وذوي الحاجات، يحافظ على حضور ورد السحر في المسجد الأموي ويصلي الفجر ويجلس لقراءة القرآن أو مطالعة كتب التفسير أو التاريخ حتى طلوع الشمس.
كان أول من سعى لتأسيس مجلس أسرة الصواف في عام 1928م، وأول رئيس له، كما كان أول من سعى لربط أسرتي الصواف والمهايني بالاشتراك مع المرحوم زكي أفندي المهايني.
يحمل وسام لوجيون دونور (جوقة الشرف)، ووسام شوفاليه (الفارس)، وهما أرفع الأوسمة الفرنسية.
تزوج من السيدتين نسيبة بنت محمد أمين بك العظمة، ورسمية بنت سليمان بك بن محمود العظمة ـ وأنجب منهما سبعة عشر ولداً منهم خمسة ذكور، هم :
عبد الهادي ورضا وتوفيا عقيمين.
وعارف تزوج السيدة هدية العلاف، وتوفي عام 1391هـ /1971م.
وعبد الحميد تزوج ابنة عمه السيدة ثريا بنت عبد الرؤوف الصواف وتوفي عام 1381هـ، 1962م، وتوفيت زوجته عام 1409هـ / 1988م.
والدكتور محمد وحيد الدين أستاذ طب الاشعة في جامعة دمشق بين الاعوام من 1951م الى 1976م. تزوج من ابنة عمه السيدة سعاد بنت أحمد الصواف.
واثنتا عشرة بنتاً هُنّ :
السيدات : عليا، وحياة، ونعمت، وإحسان، ومسرة، وثمينة (المدرسة في الثانوية الشرعية للإناث سابقاً )، ولم يتزوجن.
وسلمى تزوجها ابن عمها السيد فهمي بن عبد اللطيف الصواف توفي عام 1410 هـ / 1990م.
وفريزة تزوجها ابن عمها السيد نصوح بن سليم الصواف، توفي عام 1383هـ / 1964 م، وتوفيت هي عام 1403هـ / 1983م.
ونجاح تزوجها ابن عمّها السيد عمر بن توفيق الصواف.
وفائقة تزوجها السيد بهاء الدين بن سليمان العظمة.
وآمنة تزوجها السيد مختار بن محمود العظمة.
توفي السيد يحيى عام 1365هـ / 1945م، ودفن في قبور أسرة الصواف في الباب الصغير، وكتبت على قبره هذه الأشعار من نظم العلامة الشيخ عبد المحسن الاسطواني :
روض زها بالنور والاضـــــــواء
فيه توارى نخية النخبــــاء
الماجد الشهم الكريم المُنتــــقى
من خيرة العظماء والرؤســاء
أعني به الصواف يحيى فضله
من جَده المُختص بالإســراء
قد سار مختاراً إلى دار البقـــا
شوقاً لرحمة أرحم الرحمــاء
وسرى إلى مأوى فأرخه ثــوى
في جنة (يحيى) مع السعداء
المصادر :
1- منتخبات التواريخ لمدينة دمشق ص 907.
2- مذكرات خالد العظم ج 1/151.
3- رحلة عمر وكفاح ص 24.
4- المسيرةالتجارية ص 64.
5- تاريخ المسرح السوري ص 351.
6- لقائان مع ابن العم الدكتور محمد وحيد الصواف ابن المترجم بتأريخ 2-8-1990 وتاريخ 22-7-1997م.
7- معلومات من ابن العم السيد صالح بن على الصواف – أبي اسامة -.
8- معلومات من ابن العم الدكتور زياد بن محمد وحيد الصواف حفيد المترجم.
9- معلومات من المرحوم نسيب بن عارف الصواف حفيد المترجم.
10- دفتر أنساب وأصهار أسرة الصواف بخط المرحوم محمد نديم بن عثمان الصواف.
11- لوحة قبر المترجم. |